التعليم بعـد الإستقـلال:
وَرثـَتِ الجزائر،
بعدما استرجعت سيادتها منظومة تربوية كانت أهدافها تتمثل في محو الشخصية
الوطنية وطمس معالم تاريخ الشعب الجزائري. إذن كان من اللازم أن تغير هذه
المنظومة شكلا ومضمونا وتعوض بمنظومة جديدة تعكس خصوصيات الشخصية الجزائرية
الإسلامية ولكن كان من الصّعب أن يغير هذا النظام بين عشية وضحاها.
وقبل
الإصلاح الشامل الذي طرأ في 1980 بإقامة المدرسة الأساسية اتخذت عدة
إصلاحات وتعديلات جزئية ولكن ذات أهمية كبرى وقد تمت بناءً على ثلاثة
إختيارات.
- الإختيار الوطني بإعطاء التعريب والجزأرة ما يستحقان من العناية.
- الإختيار الثوري بتعميم التعليم وجعله في متناول الصّغار والكبار.
- الإختيار العلمي بتفتح التعليم نحو العصرنة والتحديث وبالتحكم في العلوم والتكنولوجيا.
تكرست بالفعل هذه الإختيارات الأساسية على النحو التالي:
أولا: ديمقراطية التعليم:
بالفعل إرتفع عدد التلاميذ بصفة مطردة منذ الإستقلال حتى بلغ ما يقرب من
ربع عدد السكان، حيث يستقبل التعليم الأساسي وحده أكثر من سبع ملايين من
الأطفال وارتفعت نسبة التعليم من 20 % إلى ما يقرب من 100 %.
كما
إرتفعت نسبة تعليم البنات، وبذلت مجهودات عظيمة في شأن إنجاز المؤسسات
التعليمية والتكوينية في جميع أنحاء القطر. وأعدت لهذا الشأن برامج خاصة
لفائدة بعض الولايات المحرومة.
وعلاوة على مجانية التعليم وفّرت الدولة
الكتاب المدرسي لتلاميذ التعليم الإبتدائي مقابل الدينار الرمزي ولتلاميذ
التعليمين المتوسط والثانوي بأسعار مقبولة. أضف إلى ذلك توفير الإيواء
للكثير من التلاميذ وتأسيس 26 داخلية إبتدائية لفائدة أبناء الرحل. واستفاد
العديد من الأطفال من المنح والمطاعم المدرسية.
ثانيا: التعـريـب:
شرع إبتداء من السنة الدّراسية 63/ 64 في تعريب السّنة الأولى من التعليم
الابتدائي وتمّ تدعيم اللغة العربية فيما تبقى من السنوات الأخرى وكذلك في
التعليم المتوسط والثانوي.
وابتداء من سنة 1967 شرع في تدريس التاريخ
والتربية المدنية والجغرافيا فيما بعد باللغة العربية عَبْرَ مُختلف أطوار
التعليم. وكذلك أصبح تعليمُ الدروس والحساب يمنح باللغة العربية في طور
التعليم الإبتدائي إنطلاقا من نفس السّنة. فصارت منذ ذلك الوقت اللغة
الفرنسية تدرس كلغة أجنبية لا غير. و يجدر الذكرُ أن التكوين في جميع
المعاهد التكنولوجية للتربية أصبح أيضا يعطى باللغة العربية بالنسبة لجميع
الأنماط.
ثالثا: الجـزأرة: قد شملت
الجزأرة محتويات وبرامج التعليم مثلما شملت موظفي التعليم والتأطير
والتشريع المدرسي بالتدريج إبتداءً من سنة 1964. وهكذا أصبح جميع الأطفال
الجزائريين يدرسون لغتهم الوطنية وكذلك تاريخ وجغرافية الجزائر والتربية
الإسلامية والقرآن الكريم. منذ ذلك الوقت شرع أيضا في جزأرة الوسائل
التعليمية ومنها الكتاب المدرسي عن طريق المعهد التربوي الوطني الذي أسّس
في 31 ديسمبر 1962.
وبَعدَ ما غَادَرَ مُعْظمُ المعلمين الفرنسيين
المدارس كان من الضروري أن نجدَ البَديل وبالفعل تمّ توظيف مئات من
الموظفين بمستوى ثقافي ضعيف وبدون كفاءة تربوية وعملت وزارة التربية جادة
على تكوينهم ورفع مستواهم الثقافي والمهني عن طريق الأيّام التربوية
والتربصات القصيرة والورشات الصيفية بالخصوص.
ورغم هذه المجهودات
الجبارة، كان من اللزوم أن نستعينَ بالتعاون الأجنبيّ. فتمت في العشرية
الأولى إعارة الكثير من المتعاونين من الأقطار العربية الشقيقة وكذلك من
دول أخرى.
إبتداء من سنة 1970 أسندت للجزائريين وحدهم جميع المناصب ذات المسؤولية على جميع المستويات.
وبفضل
مضاعفة الجهود والإكثار من المعاهد التكنولوجية للتربية تمّ القَضاءُ على
التعاون الأجنبي في التعليم الإبتدائي والمتوسط وأيضا في التعليم الثانوي.
رابعا: توحيد التعليم:
إنّ النظام التربوي الذي وَرثناه من العهد القديم، كان يتسم بالإزدواجية
من حيث الهياكل والبرامج والشهادات. إذن كان من الضروري أن نعمل على
توحيده. فتم إبتداء من سنة 1964 توحيد البرامج بين المدارس الابتدائية
ومدارس التعليم العام من جهة، والمدارس التي كانت تابعة لجمعية العلماء
الجزائريين والمصادق عليها من جهة أخرى. كما قامت الوزارة بتوحيد
الإمتحانات والمُسابقات كامتحان الدّخول للسنّة الأولى متوسط في سنة 1967
وامتحان التعليم المتوسط في سنة 1974.
وبحُكْم أمر 16 أفريل 1976 التي
تَنصّ على كوْن التربية والتكوين من إختصاص الدّولة ألغي التعليم ذو
الطّابع التّجاري والتعليم التّابع للآباء البِيض المعادي لديننا الحنيف.
ومع
انطلاقة المخطط الرّباعي 1970- 1973 أنْشِئت معاهد تكنولوجية في كل ولاية
حتى يتلقى فيها التلميذ المعلم والتلميذ الأستاذ تكوينا أوّليّا قبل الشروع
في التدريس.
هذا ويجدر بالذكر أنه أسِسَ في سنة 1981 مركز وطني وثلاثة مراكز جهوية لتكوين إطارات التربية.
ومن جهة أخرى وتَدْعِيمًا للتعليم، إنطلقت جملة واسعة النطاق للقضاء على الأميّة والجَهْل وهُما من مخلّفاتِ الإستعمار.
كما
إهتمت وزارة التربية بتعليم وتكوين كل من يرغب في رفع مستواه الثقافي وهذا
عن طريق المراسلة والإذاعة. فأسِّسَ سنة 1969 المركز الوطني لتعميم
التعليم لهذا الغرَض.
بعد أكثر من عشر سنوات حافلة بمجهودات في سَبيل
تشييد المدرسة الجزائرية، تمّ إصلاحُ ُ شامل يرمي إلى تغيير المنظومة
التربوية تغييرًا جذريا علما بأن الهدف من المهام المسندة للمدرسة
الجزائرية تتمثلُ قبل كل شيء في بناء شخصية أصيلة ونشر حَضارَتِنَا العربية
الإسلامية. وبعد المراحل الإنتقالية المعقدة التي عشناها، شرع في التفكير
في منظومة تربوية جديدة وقامت الوزارة بعدّة تجارب ميدانية. فتجسدت هذه
الجهود في اتخاذ أمر 16 أفريل 1976 الذي هو بمثابة أرضية تعتبر قانونا
مَدْرَسيًا. يتضمن هذا النص تنظيم التربية والتكوين، فيستمد هذا النظام
الجديد مبادِئه من القيم العربية الإسلامية وينص على الخصوص:
- إجبارية التعليم ومجانيته وتعميم إستعمال اللغة العربية وجعل النظام التربوي من إختصاص الدولة.
- نص أيضا الأمر على تفرّع النظام التربوي إلى أربعة مستويات: التعليم التحضيري والأساسي والثانوي والعالي.
وبخصوص
التعليم الأساسي، دخل حيز التنفيذ سنة 1980 بعد فترة امتدت من 1976 إلى
1979، يمكن وصفها بفترة الترددات ومحاولات التراجع عن أمرية 16 أفريل 1976.
تغيّرَت بالفعل المدرسة الأساسية من حيث محتواها وأعِدّت أوقات
وبرامجُ ومناهج تدريس جديدة كما تمّ تأليف كتب مدرسية ووسائل تعليمية جديدة
ولكن لم يتم تحديث المدرسة الأساسية إداريا بناء على أمر 16 أفريل 1976.
وأمّا
التعليم الثانوي العام والتقني لم يعرف الإصْلاحات التي تنص عليها أمرية
16 أفريل 1976 اللهم إذا استثنينا في الثمانينات فتح بعض الشعب ذات الطابع
العلمي والتكنولوجي.
المبـادئ العامـة للنظام التربوي: يستمد النظام التربوي مبادئهُ من القيم العربية الإسلامية وتتمثلُ رِسالته في:
- تنمية شخصية الأطفال والمواطنين.
- إعدادهم للعمل والحياة.
- إكتساب المعارف العامة العلمية والتكنولوجية.
- تلقين التلاميذ مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين.
- الإستجابة للتطلعات الشعبية إلى العدالة والتقدم.
- تنشئة الأطفال على حبّ الوطن.
مهمة التعليم الأساسي:
- هي إعطاء تربية أساسيّة واحدةٍ لجميع التلاميذ ومدته تسع سنوات.
- توَفرُ المدرسة الأساسية:
- دراسة اللغة العربية.
- تعليما يتضمن الأسس الرياضية والعلمية.
- دراسة الخطوط الإنتاجية وتربية التلاميذ على حبّ العمل عن طريق ممارسته.
- أسُس العلوم الإجتماعية لاسيّما المعلومات التاريخية والسياسية والأخلاقية والدينية.
- تعليما فنيّا الغاية منه إيقاظ الأحاسيس الجمالية في التلاميذ.
- تربية بدنية أساسية وممارسة إحدى النشاطات الرياضية.
- تعليم اللغة الأجنبية.
- تلقين مجموعة من المعارف والمهارات التكنولوجية.
-
تعدّ المدرسة الأساسية مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال
المالي، توضع تحت وصاية وزارة التربية الوطنية. يمكن أن تلحق بالمدرسة
الأساسية مدرسة ملحقة أو عدة مدارس ملحقة تحْدَث بموجب قرار وزاري. يُمكن
أن تحدث مدارس أساسية بالأطفال المعوقين. (الدليل في التشريع- بـ- د مرجي).