ساجعُ الشؤقِ طارَ عن أوكاره | وتَوَلَّى فنٌّ على آثاره |
غاله نافذُ الجناحين ماضٍ | لا تفِرُّ النسورُ من أَظفاره |
يطْرُق الفرخَ في الغصون ويَغشَى | لبداً في الطويل من أعماره |
كان مزمارهُ ، فأصبحَ داو | دُ كئيباً يبكي على مِزماره |
عبدُهُ بَيْدَ أَن كلَّ مُغَنٍّ | عَبْدُه في افتنانِه وابتكاره |
مَعْبَدُ الدَّوْلَتَيْنِ في مصرَ، وإسحا | قُ السَّمِيَّيْنِ رَبِّ مصرٍ وجاره |
في بساط الرشيدِ يوماً، ويوماً | في حمى جعفرٍ وضافي ستاره |
صفوُ ملكيهما به في ازديادٍ | ومن الصَّفو أَن يلوذَ بداره |
يخرج المالكين به جشمة ِ المل | ـكِ، ويُنْسِي الوقورَ ذِكْرَ وَقاره |
ربَّ ليلٍ أغار فيه القمارى | وأَثارَ الحِسانَ من أَقماره |
بصَباً يُذْكِرُ الرِّياض صَباهُ | وحجازٍ أرقّ من أسحاره |
وغناءٍ يدارُ لحناً فلحناً | كحديثِ النديمِ أَو كعُقاره |
وأنينٍ لو أنه من مشوقٍ | عرف السامعون مَوْضِعَ ناره |
يتمنَّى أخو الهوى منه آهاً | حينَ يلحى تكون من أعذاره |
زَفَراتٌ كأَنها بَثُّ قيسٍ | في معاني الهوى وفي أخباره |
لا يُجاريه في تفنُّنِه العو | دُ، ولا يَشْتكِي إذا لم يُجارِه |
يسمع الليل منه في الفجر: يا لي | لُ، فيصغي مستمهلاً في فراره |
فجع الناسُ يوم مات الحمولي | بدواءِ الهمومِ في عطَّاره |
بأبي الفنِّ، وابنه، وأخيه | القويِّ المكينِ في أَسراره |
والأبيِّ العفيفِ في حالتيهِ | والجوادِ الكريمِ في إيثاره |
يحبسُ اللحنَ عن غنيٍّ مدلِّ | ويذيق الفقيرَمن مختاره |
يا مُغيثاً بصوته في الرزايا | ومُعيناً بماله في المَكاره |
ومُحِلَّ الفقيرِ بين ذَويه | ومعزَّ اليتيمِ بين صغاره |
وعِمادَ الصديقِ إن مال دهر | وشِفاءَ المحزونِ من أَكداره |
لستَ بالراحلِ القليلِ فتنسى | واحدُ الفنِّ أمة ٌ في دياره |
غاية ُ الدهرِ إن أتى أو تولَّى | ما لقيتَ الغداة َ من إدباره |
نزل الجد في الثرى ، وتساوى | ما مضى من قيامه وعثاره |
وانقضى الداءُ باليقين من الحا | لَيْن، فالموتُ مُنتهَى إقصاره |
لَهْفَ قومي على مخايلِ عزٍّ | زال عنّا بروضِهِ وهَزاره |
وعلى ذاهبٍ من العيش ، ولَّيـ | تَ فولَّى الأخيرُ من أوطاره |
وزمانٍ أَنت الرِّضَى من بقايا | هُ، وأَنت العَزاءُ من آثاره |
كان للناس ليلُه حينَ تشدو | لحقَ اليومَ ليله بنهاره |